مدخل النسق الاجتماعي الفني
مدخل النسق الاجتماعي الفني من المداخل النظرية الحديثة فى دراسة التنظيم هو مدخل نظري وسطى بين الحتمية التكنولوجية والحتمية الاجتماعية ويؤكد أن لكل من التكنولوجيا والقوى الثقافية والاجتماعية أهميته ويؤثر بدرجات متفاوتة على سير العمل وقد تم تطوير مدخل النسق الاجتماعي الفني عن طريق معهد تافستوك للعلاقات الانسانية وهو مدخل يستخدم نظرية الأنساق ويؤكد على مراعاة العلاقات بين الأنساق الاجتماعية والتكنولوجية من أجل إنشاء نموذج التنظيم الأكثر كفاءة وفاعلية.
وركز رواد هذا الاتجاه أمثال سايلز ووايت و بلونر على الاهتمام بدراسة العلاقات المتبادلة بين التكنولوجيا والأنساق الاجتماعية داخل تنظيمات العمل باعتبار أن نوع الآلات وعددها وحجمها ومواضعها تؤثر بشكل مباشر في حجم جماعات العمل الرسمية ومعاييرها وقيمها والمكانة الاجتماعية والاتصالات حيث أن وجود الجانب التكنولوجي يؤثر بشكل واضح على بنية الشكل التنظيمي ونمط التصميم و عدد المستويات التنظيمية وأسلوب الإدارة المتبع ومستوى أداء العامل وطرق القياس .
حاول وايت دراسة العلاقة بين الأبعاد التكنولوجية في التنظيم وأشكال التفاعلات والعلاقات الإنسانية وتوصل إلى وجود أنماط تكنولوجية تخلق العواطف السلبية تجاه الإدارة والتنظيم ككل وتسبب صور من عدم الرضا كما أن هناك أيضا أنواع تكنولوجية تشجع العواطف الإيجابية والتى تخلق شعور بالرضا .
وأعطى وايت للعامل التكنولوجي تأثير فعال في توجيه السلوك الانساني وخلق دافعية الفرد نحو العمل وآمن بالحتمية التكنولوجية في إدارة وتوجيه السلوك الإنساني وهذا يؤخذ على وايت لأن السلوك التنظيمي يتداخل ويتفاعل في تحديد صوره العديد من العوامل ذات الطبيعة الشخصية والنفسية والتنظيمية.
أما بلونر فقد ناقش التكنولوجيا كمتغير مستقل يمكن أن يؤثر في نشوء حالات من الاغتراب كما أوضح في كتابه الاغتراب والحرية أن طبيعة التكنولوجيا تؤثر على طبيعة الإشباع المهني للعامل وعلى نوعية العلاقات المهنية والاجتماعية ،حيث يساعد العمل في الصناعات الحرفية على تقوية الروابط الاجتماعية بين العمال ويجعلهم يشعرون بمستويات عالية من الإشباع النفسي على العكس من ذلك العمل في نظام إنتاج خط التجميع يتطلب من العامل الابتعاد عن زملائه والتركيز مع الآلة مما يضعف من التفاعل الاجتماعى بين العمال ولا يحقق إشباع لحاجاتهم النفسية .
صاغ معهد تافستوك مصطلح النسق الاجتماعي الفني لتجنب افتراضات الحتمية التكنولوجية بأن الأسلوب الفني هو المحدد الرئيسي للنظم والعلاقات الاجتماعية وأنه المتغير المستقل في التغير الاجتماعي ، ظهر هذا المفهوم على أساس أن نسق الإنتاج يتطلب تنظيم تكنولوجي مثل المعدات و تخطيط العملية من ناحية وتنظيم العمل الذى يربط بين أولئك الذين يقومون بالأعمال الضرورية من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن الحاجات التكنولوجية أحيانا قد تحدث نموذج تنظيم العمل إلا أن هذا التنظيم له خصائص اجتماعية وفنية منفصلة تماما عن التكنولوجيا حيث أن النسق الاجتماعي الفني له أبعاد اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية وعلى الرغم من وجود حالة من الارتباط بين هذه الأبعاد إلا أن كل منها لها قيمتها الخاصة المستقلة عن الأبعاد الأخرى .
وتؤكد دراسات معهد تافستوك على الأهمية الأساسية للتكنولوجيا في التحليل السوسيولوجي لمواقف العمل كما طورت نموذج نظري يوضح كيف أن الصور البديلة لتنظيم العمل داخل نفس أنماط التكنولوجيا من الممكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة تماما.
ومن وجهه نظر هذا المدخل يعتبر النسق الاجتماعي الفني نسق مفتوح أكثر من كونه نسق مغلق لأنه مرتبط بالبيئة من خلال عمليات التبادل ،كما أنه قادر على تحقيق حالة من الاستقرار والتي يحققها بطرق مختلفة كما استخدم هذا المدخل أداة تصورية أساسية وهي تأثير التكنولوجيا ومتطلبات السوق على الشكل التنظيمي واهتم هذا المدخل بمشكلة الأداء الفعال لمهمة التنظيم الأساسية في علاقاته باحتياجات التكنولوجيا والبيئة وأعضاء التنظيم.
أكد الباحثون فى معهد تافستوك على التأثير المتبادل بين التكنولوجيا والأنساق الاجتماعية في مجال العمل وحاولوا الابتعاد عن التطور التكنولوجي والميل إلى تقدير اتجاه الإدارة نحو الشعور بالحاجة إلى الابتكار والمرونة و سعة الأفق في تصميم عمليات وإجراءات العمل .
وقد تعرض مدخل النسق الاجتماعي الفني للنقد على أساس أنه قد استخدم في دراسة مشكلاته اتجاه امبريقي محدود لذلك هناك من يعتبرونه أنه أهمل صياغة أطر نظرية متعمقة حول هذه العلاقة المتبادلة التى تفسر العلاقة بين التكنولوجيا والأبعاد الاجتماعية والثقافية المختلفة للتنظيم.
تعليقات
إرسال تعليق