القائمة الرئيسية

الصفحات

المادية التاريخية

النظرية المادية التاريخية



كان ظهور الماركسية تعبير عن النضج السياسي والفكري للطبقة العاملة والنضال ضد الرأسمالية والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وفي بناء مجتمع بلا طبقات ، ولم يكن ظهور المادية التاريخية خارج إطار تطور الفكر العلمي بشكل عام حيث أن تاريخ الفلسفة وتاريخ العلم الاجتماعي يظهران بوضوح أن الماركسية لم تقم بمعزل عن المسار الرئيسي للتطور الحضارى العالمي بل على العكس من ذلك فقد أجاب ماركس على الأسئلة التي أثارها الفكر الإنساني التقدمى.


                              المادية التاريخية


وساعد تطور الرأسمالية فى خلق الحاجة الاجتماعية لبناء علم حول المجتمع كما ساهم أيضا فى ظهور المادية التاريخية اكتمال تكون الطبقة الاجتماعية التي يهتم هذا العلم بمصالحها ، فهذه الطبقة لم تظهر وتتشكل إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر في البلدان الرأسمالية المتقدمة ولم تصل إلى درجة الوعي السياسي الكافى لتشكيل طبقة اجتماعية جديدة إلا في منتصف القرن التاسع عشر.


تهتم المادية التاريخية بدراسة وظيفة القوانين الكونية في الحياة الاجتماعية للكشف عن محتواها المحدد المشروط بخصوصيات الشكل الاجتماعي من حركة المادة فمن خلال إثبات الطبيعة الخاصة للقوانين التي درستها المادية الديالكتيكية في الحياة الاجتماعية تكشف المادية التاريخية القوانين العامة التي تحكم وظيفة وتطور المجتمع الانساني، وتكشف المادية التاريخية عن القوانين التى تحكم عمل الكائن الاجتماعي .


المادية التاريخية هى نظرية فلسفية اجتماعية تبحث فى القوانين العامة والقوى المحركة لتطور المجتمع البشرى ولا يقتصر الأمر على دراسة تاريخ المجتمعات وتاريخ ظهور وتطور وتغير التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية بل تهتم أيضا بدراسة قوانين الحياة الاجتماعية بشكل عام وقوانين الحياة المعاصرة لمختلف المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية ، تركز المادية التاريخية في ضوء اهتمامها بالقوانين العامة للتاريخ على العلاقات الوثيقة بين مكونات أي بناء اجتماعي و خلال فترة تاريخية محددة لذلك فهى تركز اهتمامها على قوي الإنتاج وعلاقات الانتاج والبنية التحتية والبنية الفوقية و القوى الفاعلة في المجتمع .


والمادية التاريخيه تهتم بدراسة المجتمع من خلال قضية مهمة تتمثل في وحدة الظواهر الاجتماعية ومن ثم تتناوله من خلال تطوره بفعل قوانين موضوعية تتحقق من خلال نشاط الناس أي معرفة تاريخ المجتمعات البشرية والوقوف على الظواهر الاجتماعية التي تشكل مختلف جوانب الحياة الاجتماعية وكشف الجوانب المختلفة للعملية التاريخية والقوانين العامة لتطور الانسانية من أجل الوقوف على العملية التاريخية. 


وهناك مقولات أساسية للمادية التاريخية منها ما يلى


التشكيل الاجتماعى الاقتصادى:


يعد التشكيل الاجتماعي الاقتصادي أحد المقولات الأساسية التي تستخدمها المادية التاريخية لتحديد المرحلة التي يعيش فيها المجتمع في تطوره التاريخي وللتأكيد على الوحدة والترابط بين مختلف ظواهر الحياة الاجتماعية في كل مرحلة من التاريخ.


والتشكيل الاجتماعي هوعضوية اجتماعية إنتاجية في حالة من التطور الدائم لها قوانين خاصة بظهورها و قيامها بوظائفها وتطورها ثم تحولها إلى عضوية اجتماعية إنتاجية أخرى أكثر تعقيد وفي كل عضوية من هذه العضويات هناك نمط خاص للإنتاج وشكل معين من علاقات الإنتاج وطابع خاص للتنظيم الاجتماعي للعمل وطبقات خاصة وأشكال للإستغلال الطبقي وأشكال خاصة محددة تاريخيا من تجمعات الناس والعلاقات بينهم وطرق معينة للإدارة والتنظيم السياسي والأشكال المتميزة في تنظيم الأسرة والعلاقات الأسرية وأفكار اجتماعية خاصة، أى أن التشكيل الاجتماعي هو المجتمع بأسره في مرحلة معينة من تاريخه .


ويرى ماركس أن الناس أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم ينشئون فيما بينهم علاقات ضرورية مستقلة عن إرادتهم هي علاقات الإنتاج والتي تتوافق مع درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية ومجموع علاقات الإنتاج هذه يشكل البنية الاقتصادية للمجموع أي القاعدة الفعلية التي يقوم عليها بنية فوقية متوافقة مع أشكال معينة من الوعي الاجتماعي.


وتتمثل أهم التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي عرفها المجتمع الإنساني في المجتمعات البدائية والمجتمعات العبودية والمجتمعات الإقطاعية والمجتمعات الرأسمالية والمجتمعات الاشتراكية وظهور المجتمعات وفقا لهذا الاتجاه هو نتيجة طبيعية للتطور التاريخي الناتج عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية المناسبة والتي لديها مقدمات علمية طبيعية وفلسفية معينة ويعتمد الشيء الرئيسى في هذا الاتجاه على طريقة محددة تاريخيا لإنتاج الخبرات المادية في التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية .


مفهوم أسلوب الإنتاج:


تري الماركسية أن كل تشكيلة اقتصادية يمكن وصفها وفقا للشكل المادي الذي يكون عليه أسلوب الإنتاج فيجب على أى مجتمع من أجل بقاء أعضائه على قيد الحياة أن ينتج حاجاتهم ومتطلباتهم المادية أي أن أسلوب الإنتاج يتم تحديده وفقا للشكل الذي يتم عن طريقه إنتاج نمط حياة معين .


ويتكون مفهوم أسلوب الإنتاج من مفهومين أساسيين هما قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ويشير مفهوم قوي الإنتاج إلى علاقة الإنسان بالطبيعة ومدي سيطرته على عناصرها وقوة الإنتاج لا تعتمد على الناس الذين يشاركون في الإنتاج المادي ووسائل العمل التي يستخدمونها فحسب بل تعتمد أيضا على الخبرة في استخدامها ومهارة العاملين والتنظيم التكنيكي وكلما زاد تنظيم العمل كلما زادت قوى الإنتاج في المجتمع.


يشير مفهوم علاقات الإنتاج إلى العلاقات التي تتشكل بين الناس في عملية إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع المادية وكذلك العلاقات التي تتشكل في عملية تبادل أنشطة معينة بين أفراد المجتمع خاصة العلاقات بالمال أو بالسلع في مقابل المال .


فالعلاقات تتشكل وفقا لنوعية ملكية وسائل الإنتاج فإذا كانت وسائل الإنتاج ملكية عامة فإن العلاقات تقوم على أساس التعاون والمساعدة وإذا كانت وسائل الإنتاج ملكية خاصة تقوم العلاقات على أساس السيطرة والخضوع وهناك أيضا العلاقات الإنتاجية الانتقالية التى تظهر في مراحل معينة من التطور التاريخي تستند على الملكية الخاصة والعامة معا تختلط فيها عناصر التعاون والمساعدة المتبادلة مع عناصر السيطرة والخضوع، حيث أن علاقات الإنتاج هي الشكل الاجتماعي الذي يؤدي فيه الإنتاج وظائفه ويتطور.


وقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وإن كان بينهما ترابط عضوي هما جانبان مختلفان من عملية الإنتاج يمثلان معا نمط الإنتاج ، ونمط الإنتاج ليس سوى نمط نشاط الناس الذي يحول مختلف المواد الطبيعية إلى وسائل للحياة وبالتالي يعيد إنتاج الوجود الفيزيقي للناس وأيضا يحدد طريقتهم في الحياة ذاتها .


القاعدة الاقتصادية والبناء الفوقى:


تنطلق المادية التاريخية من أن علاقات الإنتاج السائدة هي التي تقوم بتشكيل البناء التحتي للتشكيل الاقتصادي والاجتماعي فى حين تشكل الأيديولوجيا والدولة والمنظمات السياسية والدينية وغيرها البناء الفوقي وعلاقات الإنتاج هي علاقات مادية موضوعية يدخل فيها الناس بغض النظر عن إرادتهم ووعيهم بينما في البناء الفوقي يدخل الناس فى العلاقات عن معرفة ووعي .


والعلاقات الاقتصادية في كل مجتمع تظهر على أنها مصالح وفي سياق ظهور هذه المصالح يتشكل الوعي بالمصالح الطبقية المشتركة ومعارضتها لمصالح الطبقات المعادية وهذا الوعي يحرض علي تأسيس أحزاب وحركات ثورية تعبر عن مصالح الجماهير الشعبية وتدافع عنها .


والأيديولوجيا السائدة لا تكون دائما الأيديولوجيا الوحيدة الموجودة في التشكيل وفي سياق التطور التاريخي ومع تفاقم التناقضات الاجتماعية تظهر أيديولوجية جديدة تعكس مصالح الطبقات الثورية وتعارض الأيديولوجيا السائدة وتكسب إلى جانبها جماهير من الناس وتتحول الأيديولوجيا إلى قوة مادية تعمل على هدم النظام القائم .





المصدر

1- شحاتة صيام، النظرية الاجتماعية من المرحلة الكلاسيكية إلى ما بعد الحداثة ،2009، مصر العربية للنشر والتوزيع ، القاهرة، ط1

2- غازى الصورانى، مدخل إلى الفلسفة الماركسية، 2018، ط1، غزة، فلسطين

تعليقات