الاتجاه الكيفى فى علم الاجتماع
يبدأ الباحث فى الاتجاه الكيفى برسم منظور يشرح افتراضاته لتأكيد نتائج بحثه ويمثل الاتجاه الكيفى فى صورته الطبيعية مرحلة الاكتشاف حيث يقدم هذا الاتجاه النظرية التى تناسب الحقائق المراد الوصول إليها .
ويرى "تايلور" أن الاتجاه الكيفى هو منطق الاكتشاف والتعديل ويشير الاتجاه الكيفى إلى تلك الاستراتيجيات البحثية مثل الملاحظة بالمشاركة والمقابلة المتعمقة والمعايشة الشاملة للنشاط الاجتماعى.
والاتجاه الكيفى مدخل يمكننا من الحصول على المعرفة الصادقة للواقع الاجتماعى ويفترض أن السلوك له وجهان رئيسيان هما الوجه الخارجى والوجه الداخلى وأن هناك تفاعل وتداخل بينهما بحيث يقوم الكشف عن ارتباطات السلوك الاجتماعى وعواقبه وفهم التفاعل بين هذين الجانبين.
دعائم الاتجاه الكيفى
أولا يمكن
لعالم الاجتماع باستخدام هذا الاتجاه أن يكون على فهم ودراية بالسلوك الإنسانى وأن يفسره على مستوى من العمق لا يتحقق فى الدراسات التى تحدد نطاقه فى المظهر
الخارجى لهذا السلوك.
ثانيا عند استخدام الاتجاه الكيفى لا يمكن افتراض أن المعرفة والقدرة على فهم السلوك تزداد بشكل مباشر مع زيادة المسافة بين الباحث والموضوع الذى يدرسه ولكن يجب على الباحث أن ينمى درجة إدراكه بالفروق الكيفية بين المعرفة الموضوعية للظاهرة وبين الألفة الذاتية للواقع الاجتماعى.
ثالثا يمكن اكتساب المعرفة حول القضايا والظواهر الطبيعية من الخارج فى حين أن العمليات الاجتماعية ودوافع التفاعل الاجتماعى لا يمكن اكتساب معرفة صادقة وثابتة عنها إلا من الداخل وهكذا يكون الاستبصار هو أساس المعرفة الاجتماعية ويتحقق هذا الاستبصار عندما ندخل إلى قلب الظاهرة الاجتماعية فالمشاركة فى النشاط الاجتماعى الذى ندرسه هى الطريقة لفهم الاهتمامات والأهداف ووجهات النظر والمعانى والقيم التى ينطوى عليها هذا النشاط.
رابعا لكى
يتمكن الباحث الاجتماعى من تحقيق أهدافه فى فهم السلوك والتنبؤ به يجب عليه ربط
الجانبين الداخلى والخارجى لهذا السلوك باستمرار وأن يطور مهاراته الفنية فى
الاندماج والتكامل مع البيانات الاجتماعية.
أدوات الاتجاه الكيفى
هناك ثلاثة أدوات كيفية ترتبط بالبحث الاجتماعى وهى: المقابلة المتعمقة والملاحظة بالمشاركة والملاحظة بدون المشاركة والغرض من هذه الأدوات هو الملاحظة الدقيقة والتسجيل بصدق للتجربة الاجتماعية التى ينخرط بها الباحث من أجل تقديم الوصف والفهم البشرى بدلا من التفسير العشوائى.
ويرى " مايك دونال" أن الأدوات الكيفية والنظرية
التفسيرية مكملة لبعضها البعض وبالتالى فإن الملاحظة الفعالة هى طريقة مقبولة
للبحث العلمى.
أولا المقابلة المتعمقة والتى قد تمتد إلى عدة ساعات لذا يجب على الباحث إجراء المقابلة لعدة ساعات منفصلة مع نفس الشخص أو المجموعة المبحوثة ويجب أن يكون لدى الشخص الذى يجرى المقابلة فكرة واضحة عن الاحتياجات الأساسية التى يريد تغطيتها ووضع خطة تتضمن إعداد أسئلة تتعلق بالنقاط التى يريد تغطيتها.
والقيمة الأساسية لهذا النوع من المقابلات هى أنه يقدم للمبحوثين الفرصة ليقولوا ما يريدون وهو الهدف المنشود للمقابلة ،أما الخطورة فى هذا النوع من المقابلة هى أن يقوم الباحث بها دون تخطيط مسبق وبالتالى سيكون من الصعب عليه التحكم فى إجابات المبحوثين.
ثانيا الملاحظة بدون مشاركة ويدرس فيها الباحث
الظاهرة عن كثب دون المشاركة فى أى نشاط فى الظاهرة ولكنه يراقبها ويتابعها ومن
أمثلة ذلك مراقبة العاملين فى مكان العمل عن بعد ثم يسجل الباحث ما يراه ويسمعه
وهنا يجب على الباحث مراقبة وملاحظة مجتمعه البحثى سرا كلما أمكن ذلك.
ثالثا الملاحظة بالمشاركة هذا النوع من الملاحظة يتطلب من الباحث المشاركة فى الأحداث الاجتماعية حتى يتمكن من شرحها وفهم واقع الموقف وهناك ثلاث مراحل من البحث الذى يعتمد على طريقة الملاحظة بالمشاركة تتمثل الأولى فى ضرورة وضع مشروع البحث فى صورة خطة مع توضيح الأهداف النسبية للباحث التى يسعى إلى تحقيقها والثانية ضرورة مشاركة الباحث شخصيا مع أولئك الذين يقومون بإجراء البحث عليهم والثالثة مراعاة مبدأ تقييم التجربة والنتائج.
أسلوب التطبيق
من أهم الافتراضات
التى يقوم عليها استخدام أدوات البحث الكيفى ما يلى:
أولا الباحث فى البحث الكيفى لا يكتفى بمجرد الحصول على تسجيل سريع للتعبيرات والمظاهر السلوكية الخارجية ومن ثم يصبح التعمق فى فهم الموقف الاجتماعى شرطا ضروريا للبحث ويجب أن يؤخذ فى الاعتبار فى تصميم أدوات البحث الكيفى أن تكون قادرة على إعطاء الباحث صورة شاملة لجميع أبعاد الموقف المدروس.
ثانيا لا يلجأ الباحث فى البحث الكيفى إلى التسجيل الوقتى لاستجابات المبحوثين إنما يسجل هذه الإستجابات بعد التأكد من أنها تمثل الواقع الفعلى لهؤلاء المبحوثين وهذا لا يتحقق إلا بعد فترة طويلة نسبيا.
ثالثا حتى يتمكن الباحث من تحقيق أهدافه فى البحث الكيفى والتى تتمثل فى إدراك العوامل الكامنة وراء السلوك الاجتماعى يجب أن يعتمد استخدامه لأدوات البحث على نوع الرابطة العاطفية أو التعاطف بينه وبين الأفراد أو الجماعات محل الدراسة وكسب ثقة المبحوثين حتى يتمكن من تحقيق هذه الرابطة.
رابعا قد يلجأ الباحث إلى استخدام مجموعة متكاملة من أدوات ووسائل البحث بحيث تمثل نوع من إستراتيجية البحث وهذه الأدوات تمكنه من الإحاطة بأبعاد الظاهرة محل الدراسة من زوايا مختلفة ومتكاملة فى نفس الوقت.
خامسا يستغرق تطبيق أدوات البحث الكيفى فترة زمنية طويلة نسبيا لأن أدوات البحث فى هذه الحالة ليست مجرد استمارات تستوفى بنودها بسرعة ولكنها طرق تمكن الباحث من الاندماج فى المجتمع لفهم أبعاد الموقف المدروس ومعرفة الظروف التى تؤثر فى تحديده.
سادسا تدريب الباحثين على
استخدام أدوات البحث الكيفى لأن تطبيق البحث الكيفى يتطلب من الباحث التعمق فى
الواقع الذى يدرسه وهذا يتطلب تدريب واعي للباحث الميدانى حيث أن التدريب على
العلاقات الإنسانية واستخدامها فى الدراسة الميدانية يعد مطلب أساسي فى البحث الاجتماعى الذى يتجه اتجاه كيفي.
تعليقات
إرسال تعليق